استشاري المال والمصارف البروفيسور عبدالنافع الزرري : خيارات العراق صعبة والحل في مجلس اقتصادي مخوّل

مال واعمال /وكالة انباء عين العراق الدولية المستقلة
عمان- اجرى الحوار سعد الصائغ
كشف خبير المال والمصارف البروفيسور نافع الزرري عن اخفاقات اقتصادية هائلة لا يمكن تغطيتها باستخدام الانماط الاقتصادية والادارة السائدة ل الحالية ، وان البلد يحتاج الى علاجات عاجلة منها تأسيس مجلس اقتصادي اعلى على مائدة مستديرة له صلاحيات فاعلة وقراراته نافذة ، ولفت الزهري وهو استشاري مصرفي ومالي واستاذ عراقي في العلوم المصرفية والمالية. خدم في جامعات عراقية ومراكز ابحاث طوال ثلاثة عقود ويعمل الان في جامعة اردنية الى ان تراجع اسعار النفط سيلحق الاذى الكبير بالاطر الاقتصادية والمالية في البلد ذي الاحادية الواضحة في الاقتصاد . واضاف في حوار مع صحيفة الزمان في طبعتها الدولية ، انه سيستمر الاستنزاف للموارد المالية مستقبلا وسيبقى الوضع الاقتصادي في العراق غير مستقر، اذا بقيت متغيرات الادارة السياسية والاقتصادية والمالية والنقدية للدولة تعمل بنفس النمط الحالي. ودعا الى تقليص الرواتب لاسيما الدرجات الخاصة والانفاقات الزائدة في سياق التدابير الواجب اتخاذها لتقليل الاذى على البلد . ورجح الزرري ان تلجأ الحكومة القادمة للاقتراض من البنك الدولي او من البنك المركزي في الفترة الحالية ؛ لانه ليس هناك خيارات امامها ؛ حيث ان السياسات الاقتصادية والمالية الحالية ستضع حكومة المقبلة امام هذا الخيار والذي سيرفع من نسبة عبء صافي الدين على الحكومة والتي سيتحمل نتائجه المواطن مستقبلا . وشدد الاستشاري الزرري على ضرورة تفعيل وتطبيق نظام مكافحة الفساد واسترداد الاموال المسروقة او التي بحوزة جهات معينة . وفي الاتي نص الحوار :
– العراق من الدول التي تأثرت بشكل كبير بانخفاض اسعار النفط العالمية من جراء تفشي وباء كورونا؛ وهذا سيؤدي الى توقف الحركة التجارية والمالية والاقتصادية في العراق . ما هو تقييمكم لذلك ؟ العراق استلم ايرادات كبيرة من بيع النفط تقدر بأكثر من ترليون دولار والتي لم يتم استثمارها بشكل اقتصادي سليم يرافقه تراجع في اداء الاقتصاد ؛ لا بل كان للفساد المالي والاداري وسوء الادارة دورا كبيرا في تعميق هذا العبء الكبير . لقد ارتفع معدل البطالة ليصل الى اكثر من 30% ( وتختلف هذه النسبة بين المحافظات ) من جهة ووجود الضغوط التضخمية من جهة اخرى ابرز مشاكل اقتصادية واجتماعية عميقة والذي يشكل تحدي كبير لعمليات التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة . ان الاقتصاد العراقي اصبح بين خيارات صعبة في مكافحة البطالة ؛ التضخم ؛ الفساد الاداري والمالي ؛ وترهل الحكومات المتعاقبة وسوء ادارة على مستوى المركز والمحافظات ؛ ناهيك عن تخلف الاجهزة الانتاجية الصناعية منها والزراعية والهدر في الموارد البشرية والطبيعية والمالية . لذا اصبح احتواء هذه التداعيات ليس بالمسألة الهينة او السهلة في ظل المحاصصة والفساد ؛ وهذا يتطلب ادارة سياسية حقيقية للعراق تستند الى الحكمة والكفاءة والمنطق للخروج من هذه الازمة التي سيطول امدها. جاءت الاحداث الاخيرة بتراجع اسعار النفط بسبب الصراعات الدولية السياسية منها والاقتصادية فزاد عرض النفط ؛ ثم تبعها حدوث الوباء العالمي ( كورونا ) ؛ ادى الى تراجع الطلب العالمي على النفط من جهة مع زيادة الصراع الذي نتج عنه زيادة المعروض النفطي كما بيّنا ادى الى تراجع كبير ومفاجيء في اسعار النفط ؛ والذي نتج عنه تراجع كبير في ايرادات النفط العراقي ( والذي يشكل حوالي 90 % من ايراداته ) قد ساهم في تعميق الازمة . هذا كله ادى الى زيادة عجز الموازنة العامة والذي يقدر بأكثر من ستين مليار دولار ضمن موازنة 2020 . يضاف الى ذلك وجود موارد بديلة متواضعة جدا في مساهمة القطاعات غير النفطية في الناتج المحلي الاجمالي وتحقيق الموارد المالية ؛ وهذا يجعلنا امام منعطف خطير والذي سيكون له تبعات اقتصادية وسياسية واجتماعية لا تحمد عقباها في العراق. لقد باتت رواتب الموظفين تقارب 4 مليار دولار شهريا ؛ هذا يعني ان ايرادات النفط وفق الاسعار الحالية ستغطي تقريبا الثلث ولمدة ثلاث اشهر فقط. ناهيك عن اغراق السوق العراقي ببضائع من مختلف دول العالم وخاصة دول الجوار ؛ وبالمقابل غياب وبشكل شبه كامل للانتاج الصناعي المحلي مع تردي اوضاع القطاع الزراعي بالرغم من توفر المياه والاراضي الخصبة . هذا كله يشكل ضغوطات واستنزاف على الاحتياطي من العملة الصعبة . خلاصة القول . ان العراق سيعاني من جملة من المشاكل والتحديات وسيدور في دوامة وهو رهينة بيد الفوضى والفساد وسوء الادارة المالية والاقتصادية وحتى السياسية ،وفي ظل ادارة حكومية متعاقبة مترهلة وضعيفة . -يواجه رئيس الوزراء المكلف مصطفى الكاظمي ازمة اقتصادية كبيرة ستحد من قدرته على تنفيذ برنامجه الحكومي فترة توليه رئاسة الوزراء . ماهو السبيل لمواجهة هذه الازمة ؟ سيواجه رئيس الوزراء القادم المكلف ( مصطفى الكاظمي عدة ازمات حقيقية عميقة ؛ وقد تعمقت جذورها خلال السنوات القليلة الماضية ؛ منها أزمة اقتصادية ومالية كبيرة اضافة الى ازمة البطالة والتضخم الركودي حيث ستبقي البطالة اختلالا في منظومة الامن البشري في العراق في ظل حجم السكان المتزايد، وفي ظل سوء التخطيط الاقتصادي والمالي وريعية الاقتصاد الذي يوفر فقط نسبة لا تزيد عن 1% من العمالة المتوفرة.
وبما ان الاقتصاد العراقي هو اقتصاد ريعي الذي يعتمد على عوائد النفط مما يجعل السياسة المالية ( وخاصة الإنفاقية ) شديدة التأثر بانخفاض اسعار النفط الحالية ؛ مما سيؤثر في الانفاق على مشاريع التنمية . ان هذه الصدمة النفطية ستؤثر على هيكلية النفقات العامة ،وقبل كل شيء على النفقات الاستثمارية بصورة واضحة وعميقة مما سيعمق حالة الركود الاقتصادي والبطالة ويشكل حالة عدم استقرار اقتصادي واجتماعي بالاضافة الى وجود الفوضى السياسية اصلا. كما سيؤثر ذلك سلبا ايضا على النفقات الجارية ؛ ولكن ستبقى اهميتها النسبية عالية جدا مقارنة مقارنة مع النفقات الاستثمارية ؛ ولهذا سيستمر الاستنزاف للموارد المالية مستقبلا وسيبقى الوضع الاقتصادي في العراق غير مستقر، اذا بقيت متغيرات الادارة السياسية والاقتصادية والمالية والنقدية للدولة تعمل بنفس النمط الحالي.
س3. ميزانية عام 2020 اعدت من قبل حكومة عبدالمهدي المقالة قبل هبوط اسعار النفط وعجز مالي يقدر ب 40 مليار دولار . كيف ستكون الالية القادمة التي ستتبعها حكومة الكاظمي في التعامل مع ذلك ؟
ان العراق يمتلك العديد من الموارد الاقتصادية غير النفطية ( الطبيعية والبشرية والمالية ) اذا ما تم استغلالها بشكل كفوء (حيث ان كفاءة الادارة الحكومية للاقتصاد تظهر في ظل شحة الموارد) حيث يمكن ان تعمل الحكومة على تفعيل وتنمية مصادر الدخل غير النفطية وايجاد وسائل التحوط التي من شأنها جعل الايرادات العامة اكثر امنا واستقرارا واستقلالا من هيمنة احادية موارد خزينة الدولة. ان تفعيل تنمية القطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني مع الاهتمام والتركيز على الصناعات التحويلية في الصناعات الصغيرة والمتوسطة وحتى الكبيرة واعتماد سياسة احلال الواردات في الفترة الحالية والقادمة ؛ من شأنه ان يحفز التنمية ويخلق موارد مالية مهمة لخزينة الدولة ( ان الحكومات المتعاقبة قد اهملت جانب العرض وهو الانتاج والاستثمار ) ؛ وكذلك الاهتمام بصناعة القطاع السياحي .
على الحكومة القادمة وضع سياسة للتحوط مستقبلا من شأنها معالجة الاختلالات المستقبلية في الموارد العامة للدولة . كما يتطلب اعادة تأهيل المشاريع والشركات التي كانت قائمة واهملت ( بسبب ظروف الحروب ) والتي تعتمد على المواد الاولية المحلية المتوفرة والتي يجب دعمها من اجل تعزيز الانتاج المحلي لتلبية طلب السوق مع تقليل نسبة الاعتماد على المستورد ؛ لا بل وضع استراتيجية لاغراض التصدير لهذه السلع مستقبلا حيث تتوفر موادها الاولية في العراق.
كما يتطلب تقليص النفقات الجارية ( رواتب الدرجات الخاصة ورواتب رفحاء ) كذلك نفقات السفر والايفادات والمصاريف الادارية ( ترشيد النفقات العامة ) وصولا الى الاستخدام الامثل للموارد المالية المتاحة.
كما يتطلب تفعيل السياسات الاقتصادية العامة حتى لا يترك عبء المواجهة على السياسة المالية فقط . وهنا لا بد من دعم القطاع الخاص وتحفيز فرص الاستثمار ليصبح مشاركا فاعلا في بناء مشاريع التنمية الاقتصادية وتقديم كل سبل الدعم له ؛ وهذا يجب ان يتماشى مع اعدة هيكلة عمل هيئة الاسثمار الوطنية واليات عملها مع تولي قيادتها لاقتصاديين مهرة من اصحاب الكفاءة والخبرة في ادارة الاستثمار.
س4. هل ستلجأ الحكومة القادمة الى الاقتراض من البنك الدولي لسد حاجتها من تأمين الرواتب وتأمين مفردات البطاقة التموينية والخدمات العامة . وما هو البديل عن الاقتراض من البنك الدولي ؟
نعم ستلجأ الحكومة القادمة للاقتراض من البنك الدولي او من البنك المركزي في الفترة الحالية ؛ لانه ليس هناك خيارات امامها ؛ حيث ان السياسات الاقتصادية والمالية الحالية ستضع حكومة الكاظمي امام هذا الخيار والذي سيرفع من نسبة عبء صافي الدين على الحكومة والتي سيتحمل نتائجه المواطن مستقبلا . وهنا اشدد على ضرورة تفعيل وتطبيق نظام مكافحة الفساد واسترداد الاموال المسروقة او التي بحوزة جهات معينة.
س5. البنك المركزي العراقي يدار من اكثر من جهة سياسية ويخضع البنك للمحاصصة الحزبية وفرض اليات غير مدروسة في بيع وشراء العملة الصعبة وهذا ادى الى الى عدم احتفاظ البنك برصيد يخصص لمواجهة الظروف الطارئة ؟
لقد اثيرت قضايا عديدة حول استقلالية البنك المركزي العراقي ودور ووظيفة الاحتياطي من جهة وتمويل عجز الموازنة العامة من جهة اخرى . ان هذا الموضوع من اكثر المسائل اثارة ؛ بمعنى ابعاد التأثيرات او التدخلات عن قرارات السياسة النقدية والائتمانية .
يكون من الضروري جعل السياسة النقدية واجراءات البنك المركزي مستقلة حتى عن السياسة المالية ؛ فكيف الحال ان تكون تحت تأثير ضغوطات الكتل والاحزاب التي هي في الواقع السلطة التنفيذية وخاصة عندما تكون الحكومة ضعيفة ؛ لهذا لابد تحديد العوامل المؤثرة على استقلالية البنك المركزي الذي يعد العمود الفقري للنظام المصرفي العراقي. ان المشكلة القائمة هي عدم نضوج العلاقات بين المؤشرات التشريعية والاقتصادية من جهة واستقلالية البنك المركزي من جهة اخرى وبالتالي ضرورة التصدي لها. ان تعيين واقالة المحافظ واعضاء المجلس هو بقرار من الحكومة التي تنفذ سياساتها تبعا لضغوط الكتل والاحزاب المتنفذة .
ان استقلالية البنك المركزي هي استقلالية الادارة وقدرتها على وضع اهداف السياسة النقدية بعيدا عن الضغوط السياسية والمصالح الحزبية والطائفية وارتباطاتها الخارجية . لقد بدأت مشاكل البنك المركزي العراقي مع الحكومة عند طلب الحكومة اموالا من احتياطي البنك ؛ وان المحافظ السابق للبنك المركزي ( الشبيب ) الذي استقال قد رفض هذا كما رفض اسلوب المزادات على الدولار وتأثير البنوك التجارية المعومة من جهات سياسية معروفة ؛ مما شكل ضغوطات عليه ادى الى استقالته .
تبين احدى الدراسات الموثقة عن استقلالية البنك المركزي العراقي ؛ ان هناك ضعف في درجة الاستقلالية وخاصة تعيين واقالة المحافظ والمجلس . وهذا يؤشر وجود اثار سلبية في مؤشر تعيين واقالة المحافظ واعضاء المجلس؛ وكذلك ما يتعلق برسم وصياغة السياسات النقدية والائتمانية وخاصة السياسة المتعلقة بمزاد العملة ؛ ونتيجة للظروف الحالية وقيد العملة الصعبة بسبب تراجع ايرادات النفط من الدولار ؛ لا بد من اقتصار بيع العملة على كل من بنك الرافدين والرشيد ؛ وان البنوك التجارية ممكن ان تأخذ حصتها من هذه البنوك وبما يتناسب وحجم معاملاتها التجارية.
ان نظام سعر الصرف الثابت ( المعتمد واقعيا من قبل البنك المركزي ) كان في صالح البنوك التجارية الخاصة المتنفذة بشكل كبير وساعد على تريب العملة الصعبة الى الخارج ولصالح جهات معينة ( انشطة الاقتصاد الخفي والدولة العميقة ). ان السياسة النقدية التي يتبناها البنك المركزي العراقي من خلال بيع الدولار بالمزاد اليومي بحجة دعم قيمة الدينار العراقي هي سياسة تقليدية قديمة لا تنطلي على المتخصصين . ان دعم قيم الدينار واستقرار قيمته يتحقق من خلال خلق نفقات سلعية وخدمية محلية الى السوق ( اي تفعيل ودعم قطاع الانتاج الصناعي والزراعي ) . فاين دور المركزي من خلال سياساته لدعم هذه القطاعات لاحداث استقرار في قيمة الدينار العراقي. لقد زادت كمية الدولار المباع بشكل ملفت للنظر وبنسبة تزيد عن 400%.
ولقد اثبتت دراسات موثقة ايضا بان استمرار الخلافات بين الاحزاب والكتل السياسة المتنفذة على مصالحها وفي تنفيذ اجندات معينة انعكس بشكل سلبي على هذه الظاهرة . ولذا ارى من الضروري ايقاف مبيعات الدولار من خلال المزاد بسبب التراجع في ايرادات النفط من الدولار . فليس من المنطق زيادة مبيعات انفط وتراجع حصيلة البيع بالدولار من جهة واستمرار المزاد على العملة بهذا الشكل الذي يؤدي الى استنزاف الاحتياطي من العملات الصعبة .
س6. العراق يفتقر الى مجلس اقتصادي ومالي متكامل من اصحاب الخبرة والكفاءة والنزاهة لوضع سياسات اقتصادية لمواجهة الازمات المستقبلية وتفادي العجز المالي . ما هو تقييمكم ؛ وما هي مقترحاتكم للخروج من الازمة ؛ مع غياب شخصيات اقتصادية ومالية متخصصة لوضع ستراتيجية اقتصادية ومالية متكاملة ؟
بالتأكيد وجود مجلس اقتصادي ومالي متكامل من المتخصصين اصحاب الكفاءة والخبرة مهم من اجل رسم الاستراتيجيات ووضع الاجراءات الكفيلة للوصول الى هذا الهدف؛ على ان يكون هذا المجلس وفق الطاولة المستديرة حتى يكون لكل عضو فيه دور فاعل في المناقشات وابداء الرأي من اجل تشخيص المشاكل والمعوقات بكل شفافية من جهة ووضع الاجراءات محل التفيذ ومتابعة ومراقبة تنفيذها .